2010/05/14

حملة مقاطعة إسرائيل

تذكر أبيگيل باكان وياسمين أبو لبن، في مقالتهما Palestinian Resistance and International Solidarity: The BDS Campaign، الصادرة في العدد الأول لعام ٢٠٠٩ من مجلة Race and Class، أن حرب إسرائيل على غزة في ديسمبر ٢٠٠٨ ويناير ٢٠٠٩ أحدثت موجة جديدة من التضامن الدولي مع الفلسطينيين.  ومثال ذلك مقالة نشرتها الصحافية الكندية المشهورة (ناعومي كلاين)، في الصحيفة البريطانية (ذي گارديان) والصحيفة الأمريكية (ذي نيشن)، لتأييد حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، من أجل عزلها كما عُزلت أفريقيا الجنوبية في النصف الثاني من القرن العشرين، الأمر الذي ساهم في انهيار نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) في ذلك البلد.

تشير المؤلفتان إلى أنه كثيراً ما يصعب على الباحث أن يقدم بحثاً عن القضية الفلسطينية دون أن يعزو بعض القراء نتائج البحث إلى أصل الباحث بدلاً من منهجه العلمي.  فتصارحان بأصليهما لئلا تصرف الصورُ النمطية الانتباهَ عن مضمون حجتهما.  أما أبيگيل باكان فهي يهودية تعيش في كندا، وهي متحدرة من لاجئين هربوا من أوروبا الشرقية بسبب المذابح المنظمة ضد اليهود، وتذكر قتل بعض أفراد عائلتها في الهولوكوست.  وأما ياسمين أبو لبن فهي من فلسطينيي الشتات، فإن العنف الصهيوني هجّر عائلة أبيها من فلسطين في عام ١٩٤٨، ثم استقر أبوها في كندا مع أمها الأمريكية.

ترى الباحثتان أن حملة المقاطعة خطوة إيجابية بالنسبة للتضامن الدولي وتقدُّم الحركات الاجتماعية، وأنها قد تزعزع الصهيونية.  تستخدمان، في تفسيرهما لتاريخ حملة المقاطعة، مفهوم « العقد العرقي » للفيلسوف (تشارلز ميلز).  يرى (ميلز) أن العنصرية بمثابة نظام سياسي ضمني في الدول الديمقراطية الحديثة يقوم على فكرة أن البيض وحدهم بشر وأن غير البيض ليسوا إلا أنصاف بشر.  فتؤكد باكان وأبو لبن، بناءً على نظرية (ميلز)، أن هناك عقد عرقي دولي، منذ عام ١٩٤٨، يطابق بين مصالح إسرائيل ومصالح الدول الكبرى، ويفترض أن الفلسطينيين أنصاف بشر لا يستحقون دولة.  وتعتبر المؤفلتان هذا العقد العرقي أحد عناصر الهيمنة الثقافية (بالمعنى الذي حدده المفكر الماركسي أنتونيو گرامشي) التي تساهم في سيطرة النخبة الغربية على العالم.

مما يصعّب مواجهة الصهيونية في الغرب أن الصهيونية، باعتبارها رد فعل على كراهية اليهود في أوروبا وأمريكا الشمالية، تدّعي مناهضة العنصرية، بينما تخدم الاستعمار العنصري في الشرق الأوسط.  وطبقاً للعقد العرقي فإن الباحثين الذين ينتقدون إسرائيل، بما فيهم باحثون يهود من أمثال (نورمان فنكلستين) و(إيلان بابي) و(أوري ديفيس)، يواجهون محاولات شرسة لإسكاتهم.  يندرج بعض هؤلاء الباحثين في تيار « المؤرخين الجدد » الإسرائيليين، الذين أعادوا كتابة تاريخ إسرائيل والصهيونية من خلال التركيز على تجارب الفلسطينيين، خاصة في النكبة، فقدّموا تاريخ إسرائيل من منظور « ما بعد صهيوني ».  وتشير المؤفلتان إلى أن حملة المقاطعة تعتمد اعتماداً كبيراً على أبحاث هذا التيار.

ثم تلخصان تاريخ حملات مقاطعة إسرائيل.  قاطع فلسطينيون الشركات والمنتجات الصهيونية في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين قبل عام ١٩٤٨.  ولا تزال المقاطعة من قِبَل المستهلكين مهمة، إلا أن حملة المقاطعة الحالية تطالب بمشاركة الدول أيضاً.  لقد نادت جامعة الدول العربية بمقاطعة إسرائيل في عام ١٩٤٨، غير أن بعض الدول العربية، مثل مصر والأردن والسعودية والبحرين وعمان، لم تعد تعمل بها.  وفشلت جامعة الدول العربية في جذب الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيون، وفي التأثير على الرأي العام في الغرب.  وفي السبعينات، صدّقت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية على قوانين تمنع مقاطعة إسرائيل، وبررت ذلك باسم منع « المتييز ».

هذا عكس ما أنجزته حملة مقاطعة أفريقيا الجنوبية، التي نشأت في الخمسينات، وأدت إلى عقوبات دعمتها الأمم المتحدة ودول غربية كثيرة، بما فيها الولايات المتحدة.  هناك أوجه تشابه كثيرة بين نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) في أفريقيا الجنوبية وبين النظام الصهيوني في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.  لذلك تضم حركة المقاطعة الحالية شخصيات بارزة من مقاومي الأبارتيد، مثل (ديزموند توتو)، كبير أساقفة جنوب أفريقيا السابق والحائز على جائزة نوبل للسلام.

في عام ٢٠٠٥، في أعقاب قرار محكمة العدل الدولية الذي طالب بإزالة الجدار العازل الإسرائيلي، نادت ١٧٠ منظمة مدنية في فلسطين بمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، مستوحية إستراتيجية اللاعنف والتضامن الدولي من نجاح تحول أفريقيا الجنوبية.  وعلى نقيض المقاطعة التي كانت جامعة الدول العربية قد أدارتها، فإن حركة المقاطعة الحالية غير هرمية، وتعتمد على وسائل الإعلام الجديدة التي تتوافر على الإنترنت.  يبرز فيها جيل جديد من النشطاء الفلسطينيين في الشتات.  ونجحت في اكتساب تأييد منظمات مدنية كانت قد نشأت للاعتراض على الليبرالية الجديدة وعلى العسكرية الأمريكية المتمثلة في الحرب على العراق.  هكذا أصبحت حركة المقاطعة رمزاً للتضامن الدولي ولرفض العدوان العسكري والتمييز ضد العرب والمسلمين.  وقد جرت العادة على تسمية الجدار العازل الإسرائيلي « جدار الأبارتيد »، فيما ازداد عدد الذين ينادون بإحلال دولة علمانية ديمقراطية محل دولة إسرائيل.

تشارك حكومات محلية وشركات ونقابات عمالية وكنائس ومهرجانات سينمائية، في أوروبا وأفريقيا الجنوبية وكندا، في حملة المقاطعة.  ومثال ذلك بنك ASN الهولندي، الذي سحب استثماراته، في عام ٢٠٠٦، من الشركات التي تستفيد من الاحتلال الإسرائيلي.  وفي عام ٢٠٠٩، حمل طلاب في بريطانيا والولايات المتحدة جامعاتهم على سحب استثماراتها من إسرائيل.  وأعلن المنتدى الاجتماعي العالمي، الذي انعقد في البرازيل في عام ٢٠٠٩ وحضره مائة ألف شخص، تأييده لحملة المقاطعة.  ازداد هذا التأييد رغم المعارضة الشديدة التي يتعرض لها من يبرز في الحملة، من قِبَل القائلين بأنها لن تنجح، أو أنها تهدد السلام والأمن، أو أن مقاطعة الجامعات الإسرائيلية تخالف الحرية الأكاديمية، أو أن الدافع الأساسي للحركة هي كراهية اليهود.  وعلى سبيل المثال فإن الأستاذ البريطاني (ستيفن روز) اتُّهم بأنه « يهودي كاره لنفسه » عندما نادى، في عام ٢٠٠٢، بمقاطعة الجامعات الإسرائيلية، اقتداءً بالمقاطعات الأكاديمية التي كانت قد واجهت أفريقيا الجنوبية.

ترى المؤلفتان أن من ميزات حركة المقاطعة أنها توحّد الفلسطينيين، على اختلاف جنسياتهم وطوائفهم وأجيالهم.  وفي ظل عجز الأمم المتحدة عن معاقبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي، تؤكدان أن حركة المقاطعة قد تُعتبر « منظمة أمم متحدة من أسفل » تتحمل هذه المسؤولية.

هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

مقال جيد. شكراً للفت الانتباه اليه. علی فكرة، الحكومة النروجية ايضاً سحبت استثماراتها من شركاتٍ تستفيد من الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية.

ما رأيك في الشق الثقافي من المقاطعة؟ وبالتحديد المقاطعة الاكاديمية؟

بنجامين گير يقول...

مرحباً يا ميز تي! أنا فكرت ملياً في مسألة المقاطعة الأكاديمية، وكان سبب ترددي، كما قد تتوقعين، حرصي على استقلال البحث الأكاديمي، خاصة وأنه لا يمكنني تجاهل الأبحاث الممتازة التي قام بها بعض المؤرخين الإسرائيليين في مجالي. ولكني أرى أن معايير تطبيق المقاطعة الأكاديمية لا تهدد استقلال البحث، وإنما قد تساهم في تعزيزه. تستهدف المقاطعة الأكاديمية المؤسسات وليس الأفراد، فلا تمنعني من استخدام أبحاث الإسرائيليين، بل تمنعني من المشاركة في المناسبات والمشروعات الأكاديمية التي تشارك فيها المؤسسات الإسرائيلية. ويبدو لي أن المقاطعة قد تحمل أساتذة الجامعات الإسرائيلية على السعي إلى تعزيز استقلال جامعاتهم عن سلطة الدولة. لذلك أؤيد المقاطعة الأكاديمية، مع أني أعتقد أنها أقل فائدة من المقاطعة الاقتصادية وسحب الاستثمارات. ما رأيك؟

غير معرف يقول...

نحن في حاجة الى معرفة ما يقولون وكيف ينظرون الى علاقتنا بهم وتصنيفهم .. ومع ان اى تلويح بنوع من المقاطعة مفيد . يبقى الشق الاقتصادي انجع واكثر تأثيرا .. ولكن هل نتوقع من الحكومات العربية او بالاحرى الحكام العرب ومجلس جامعتهم تحفيز الشعوب على اتخاد الموقف المناسب في الوقت المناسب ؟ ام ان اى تعويل على ما هو حكومي قد طوى الى الابد بالتزامن مع احتضان الغرب للدكتاتورية العربية وشرعنتها ؟

بنجامين گير يقول...

هناك مزيد من المعلومات بالعربية على المواقع التالية:

قاطعوا! مقاومة مدنية من أجل العدالة في فلسطين

الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقالية لإسرائيل

شبكة السياسات الفلسطينية

أنا مقاطع

غير معرف يقول...

انا ايضاً فكرت ملياً في الموضوع. فمن ناحية، اجد نفسي موافقة كلياً مع مقاطعة المؤسسات الاسرائيلية، ولكن من ناحية اخری فالحريات الخاصة للاكاديميين تتقاطع بشكل كبير مع حرية المؤسسات، بالنسبة لتمويل الاتحاد الاوروبي للابحاث مثلاً. وكما تفضلت انت واشرت، فان للمؤرخين السرائيليين فضلاً كبيراً علی مجال التاريخ، وخاصةً تاريخ فلسطين. وهذه احد المفارقات في الموضوع التي تدعوني الی التردد. وكما اشار المعلق الآخر من ليبيا، فإن المقاطعة الاقتصادية هي المقاطعة التي قد توصل الی التغيير. المقاطعة الاكاديمية مقاطعة رمزية بحت وانا لا اری الجدوی في السياسات الرمزية بشكل عام (ويمكن هنا الاشارة الی مقالة بالانكليزية لمارثا نوسباوم عن المقاطعة الاكاديمية). بعد كل هذا اللف والدوران يمكن القول انني اؤيد المقاطعة الاكاديمية اذا كانت جزءاً لا يتجزأ من مقاطعة شاملة متعددة الاوجه ولكنني لا اری الجدوی من المقاطعة الاكاديمية كمقاطعة بحد ذاتها.

بنجامين گير يقول...

يبدو لي أن (مارثا نوسباوم) أساءت فهم المقاطعة الأكاديمية، فإنها ظنت أن المقاطعة تستهدف الأفراد، وهذا غير صحيح. أوافقك والمعلق الليبي على أنه من المفترض أن تكون المقاطعة الاقتصادية أفيد من المقاطعة الأكاديمية والثقافية، ولكني تحدثت اليوم إلى صديقة فلسطينية ناشطة في حملة المقاطعة، وقالت لي أنها ترى أن المقاطعة الأكاديمية والثقافية ستكون مفيدة أيضاً، لأن النخبة الإسرائيلية متمسكة جداً بفكرة أنها تنتمي إلى الثقافة الغربية. وقالت إن (إيلان بابي) يكتب كتاباً يقارن فيه بين مقاطعة أفريقيا الجنوبية ومقاطعة إسرائيل، ويؤكد فيه أن المقاطعة الأكاديمية والثقافية لأفريقية الجنوبية كانت فعالة. أنا متشكك في هذه الحجج، ولكن مما لا شك فيه أن هدف حملة المقاطعة هو مقاطعة شاملة متعددة الأوجه.