2010/03/07

يوم بلا مهاجرين

مَن يستحق الجنسية الأمريكية؟  تحلل (بينيتا هيسكانين) الجدل حول الهجرة إلى أمريكا في مقالتها ‎“A Day Without Immigrants”‎، المنشورة في ديسمبر ٢٠٠٩ في مجلة European Journal of American Studies والمتاحة للقراءة مجاناً على موقع المجلة.

تظاهر أكثر من مليون مهاجر في بعض المدن الأمريكية الكبيرة في الأول من مايو عام ٢٠٠٦، تحت شعار « يوم بلا مهاجرين »، احتجاجاً على « قانون حماية الحدود ومكافحة الإرهاب والحد من الهجرة غير الشرعية »، الذي كان مجلس النواب قد وافق عليه في ديسمبر ٢٠٠٥.  كان من شأن هذا القانون أن يجعل من الدخول غير الشرعي إلى الولايات المتحدة جناية يعاقب عليها بالسجن، وأن يؤدي إلى عسكرة الحدود الأمريكية المكسيكية وترحيل المهاجرين الذين لا يحملون وثائق والمهاجرين الذين يُعتبرون « إرهابيين ».  أحدث مشروع القانون ضجة في أنحاء الولايات المتحدة، لا سيما في أوساط المهاجرين، الذين غضبوا خاصة من الخلط بين المهاجرين والإرهابيين.  قال أحدهم: « إذا كنتَ مواطناً ولم تكن توافق على النظام اعتُبرتَ "ليبرالياً"، بينما إذا لم تكن تحمل وثائق ولم تكن توافق على النظام اعتُبرتَ "إرهابياً". »

اندرجت مظاهرات « يوم بلا مهاجرين » في سلسلة احتجاجات أشارت إلى محنة المهاجرين الذين يعيشون في أمريكا دون أن يحملوا الجنسية الأمريكية.  كان هناك ٣٧ مليون مهاجر شرعي في الولايات المتحدة آنذاك (ومعظمهم من أمريكا اللاتينية وآسيا ومنطقة البحر الكاريبي)، بينما كان ١٠-١٢ مليون مهاجر (أي ٤ في المئة من سكان البلد) يعملون دون تصريح عمل.  غير أن المظاهرات كانت لها عواقب غير مقصودة أيضاً.  فالمناقشات الحادة التي دارت حول هذه القضية كثيراً ما صورتها على أنها صراع بين مجموعات عرقية تتنازع حق البقاء في أمريكا.

تشير (هيسكانين) إلى أن العرق مفهوم محوري في تعريف الأمة الأمريكية منذ تأسيس الولايات المتحدة.  منح قانون التجنيس لعام ١٧٩٠ المهاجرين « الأحرار البيض » وحدهم الجنسية الأمريكية، ومن ثم ربط بين « البياض » وبين الانتماء إلى الأمة الأمريكية.  ورغم أن تعديل الدستور لعام ١٨٦٨ منح الأمريكيين من أصل أفريقي الجنسية الأمريكية، إلا أن الفصل العنصري بين « البيض » و« السود » ظل شرعياً حتى عام ١٩٥٤.  ألغى قانون الهجرة لعام ١٩٥٢ الأساس العنصري للتجنيس، ولكن الصلة بين « البياض » والانتماء القومي ظلت راسخة في الأذهان.  أما المهاجرون من أمريكا اللاتينية (« اللاتينيون ») فليس لهم موقعاً محدداً في التراتب العرقي الأمريكي، لأنهم لا يُعتبرون بيضاً ولا سوداً.  ورحبت الحكومة الأمريكية بهم تارة ورحّلتهم تارة خلال القرن العشرين، وفقاً للطلب على العمالة.

ثم تصف المؤلفة مظاهرات « يوم بلا مهاجرين ».  آلى المتظاهرون على أنفسهم أن يمتنعوا عن العمل والذهاب إلى المدرسة وشراء السلع الاستهلاكية لمدة ٢٤ ساعة.  تضامن بعض أرباب العمل مع المحتجين بينما هدد البعض الآخر عمالهم بالفصل إذا شاركوا في الإضراب.  شبّه قادة الاحتجاجات مظاهرات المهاجرين بالمظاهرات المشهورة التي كان الأمريكيون من أصل أفريقي قد قادوها في الستينات من أجل الحقوق المدنية، أي إلغاء التمييز العنصري.  وطالب المحتجون بتسوية الوضع القانوني للعمال الذين لا يحملون وثائق.  تعتمد الخدمات الأساسية في بعض المدن على هؤلاء العمال، فأحدث الإضراب الفوضى في هذه المدن، الأمر الذي نبّهت سكانها إلى أهمية هؤلاء العمال في حياتهم اليومية.  وأشار أنصار حقوق المهاجرين إلى التناقض بين حاجات الاقتصاد الأمريكي وبين سياسة الهجرة، إذ كان هناك ٥٠٠ ألف فرصة عمل للعمالة غير الماهرة في كل سنة في الولايات المتحدة، بينما كان الحد الأقصى لعدد التأشيرات لهذا النوع من العمالة ٥ آلاف.  تؤكد (هيسكانين) أيضاً أن السياسة الاقتصادية الأمريكية في أمريكا اللاتينية زادت من عدد المهاجرين المكسيكيين المتجهين إلى الولايات المتحدة.  فاتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، الذي صدر في عام ١٩٩٤، أسفر عن انخفاض حاد للأجور في المكسيك، وتعطيل مليون مكسيكي في عام ١٩٩٥، مما دفعهم إلى الهجرة إلى الشمال.

أما خصوم المظاهرات فرأوا أن المسألة في أساسها مسألة قانونية، أي ضرورة إيقاف التعدي غير الشرعي لحدود البلد.  وعزوا الاحتجاجات إلى منظمات شيوعية (وكانت الشيوعية فزاعة اليمين الأمريكي في أيام الحرب الباردة)، واعتبروا المظاهرات بمثابة « ضربة ضد أمريكا »، أو مؤامرة مكسيكية لاحتلال جنوب غرب الولايات المتحدة.  أشار أحدهم إلى ارتفاع معدل مواليد اللاتينيين فشبّههم بـ« البكتيريا » التي تتناسل بسرعة، وقال إن من شأن ذلك أن يمكّنهم من « الاستيلاء على السلطة » في الولايات المتحدة.  مع ذلك فمجلس الشيوخ رفض مشروع القانون الذي كان قد أثار الاحتجاجات، وما زالت المسألة معلقة حتى الآن.  يسعى المعادون للهجرة، منذ عام ٢٠٠٦، إلى تأليب الأمريكيين من أصل أفريقي على اللاتينيين، فيقولون إن اللاتينيين « يسرقون » وظائف ينبغي أن يحصل عليها الأمريكيون من أصل أفريقي.  ولكن حركة مضادة ما لبثت أن نشأت لحث هاتين المجموعتين العرقيتين على التصالح والتعاون.

تزايد العداء للمهاجرين بعد مظاهرات مايو ٢٠٠٦، خاصة مع انكماش الاقتصاد الأمريكي، فزادت السلطات من جهودها الرامية إلى ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.  أصدرت ولاية (كولورادو) قانوناً يجبر أفراد الشرطة على التبليغ لدائرة الهجرة عن أي شخص سمعوه يتحدث بالأسبانية.  اقتحمت الشرطة مصانع في جنوب غرب أمريكا فقبضت على مهاجرين غير شرعيين ورحّلتهم فوراً دون أطفالهم.  تكاثرت المنظمات المعادية للهجرة، وتعززت الجماعات العنصرية، وازدادت الاعتداءات على اللاتينيين.  وتشير (هيسكانين) إلى أن العداء للمهاجرين يقيّم الهجرة دائماً من وجهة نظر مواطنين يدّعون مناقشة المسألة من حيث « مصلحة الأمة ».

هكذا أدت مظاهرات « يوم بلا مهاجرين » إلى تعزيز العلاقات بين المجموعات العرقية من ناحية، وإلى اشتداد العنصرية وكره الأجانب من ناحية أخرى.  ترى المؤلفة، التي كتبت مقالتها خلال حملة الانتخابات الرئاسية في عام ٢٠٠٨، أن المفهوم الشائع لـ« الهوية الأمريكية » ربما أصبح أقل ثباتاً منذ عدة سنوات، وأن علاقته بالعرق ربما تتغير، ولكن يجب أن ننتظر المحاولة المقبلة للكونگرس الأمريكي لمعالجة مسألة الهجرة لكي نقدّر مدى هذا التغير.