2010/02/11

الحد من قوة الشعبوية

كيف يمكن الحد من السلطة التي تتيحها الشعبوية (populism) لبعض القادة السياسيين؟  يجيب (روبن ماكايكو تشيرامبو) على هذا السؤال في مقالته Democracy as a Limiting Factor for Politicised Cultural Populism in Malawi، المنشورة في العدد الثاني لعام ٢٠٠٩ من مجلة Africa Spectrum والمتاحة للتنزيل مجاناً. يشير (تشيرامبو) أولاً إلى أن المعنى العادي لكلمة « شعبوية » يدل على سياسة تعبر عن آراء عامة الناس ومصالحهم، بينما تلمّح هذه الكلمة، في العلوم السياسية، إلى محاولات اكتساب تأييد عامة الناس بوسائل دنيئة أو بالتضليل.  فتطرح الكلمة أسئلة عن صدق الساسة ونزاهتهم، وتلمّح إلى استغلالهم لأتباعهم.  وهذا المعنى السلبي هو ما يقصده (تشيرامبو) بكلمة « شعبوية » في هذه المقالة.

يذكر المؤلف أن الدكتور (هيستينگز كاموزو باندا) كان رئيس (ملاوي) مدى الحياة، في ظل نظام ديكتاتوري معتمد على حكم الحزب الواحد، منذ استقلال البلد في عام ١٩٦٤ حتى تأسيس الديمقراطية في عام ١٩٩٤.  سيطرت هذه الديكتاتورية على السكان بوسائل قمعية، مثل الاعتقال دون محاكمة، والرقابة الصارمة على والصحافة.  ويقال إن ميليشيات (باندا) كانت تعتقل أو تقتل أي شخص شكت في ولائه للزعيم.  ولكن النظام سعى أيضاً إلى الحصول على موافقة جزء كبير من السكان على حكمه.  فاستعان (باندا) برموز ثقافية، مثل الألقاب الفخرية التراثية والقومية والدينية التي أطلقها على نفسه لشرعنة زعامته: « الأسد »، و« الغازي »، و« الحامي الموفِّر »، و« أبو الأمة الملاويية »، و« موسى »، و« المنقذ »، إلخ.  وساعده وسائل الإعلام في ذلك، فكانت إذاعة القطاع العام تبث أغانياً تمدحه وتصفه بهذه الألقاب، خاصة في المناسبات الرسمية الرامية إلى تكريمه.  كانت هذه المناسبات تتضمن رقصاً تقليدياً كان الرئيس يشارك فيه، ليمثّل الأدوار التي تدل عليها الألقاب.

يؤكد (تشيرامبو) أن معظم الزعماء الأفارقة الذين قادوا بلادهم إلى الاستقلال استخدموا هذا النوع من السياسة الشعبوية.  فرغم أنهم تبنوا الديكتاتورية القائمة على حكم الحزب الواحد، إلا أنهم استعانوا برموز وممارسات ثقافية لشرعنة أنظمتهم أيضاً.  فتشبّهوا مثلاً بأبطال الماضي وادّعوا أنهم خلفاؤهم.  وادّعى (باندا)، كغيره من هؤلاء، أنه يحافظ على الثقافة القومية وهو في الحقيقة يجعل من ثقافته العرقية ثقافة قومية، ويقمع الثقافات الأخرى في بلده.  ظهرت انتقادات لشعبوية (باندا) أثناء التحول الديمقراطي، فأصبحت الألقاب الفخرية التي كانت قد أضفت عليه صورة المحارب الشجاع، مثل « الأسد »، تُعتبر أدوات كانت قد ساهمت في تبرير اعتقاله أو إعدامه لأبرياء دون محاكمة.  وأصبحت الأغاني السياسية التي كانت قد حضت على مدحه وعبادته تُستخدم لتأنيبه ولرفض مشروعية حكمه.

غير أن الشعبوية الثقافية لا تزال مفيدة في ظل الديمقراطية.  فالفساد السياسي متفشٍ في الانتخابات، فلا تكفي لشرعنة الزعماء.  لذلك لا تزال الأنظمة تحاول استعمال الشعبوية الثقافية لتعزيز مشروعيتها.  فأطلق الرئيس الحالي (بينگو وا موثاريكا) على نفسه بعض الألقاب الفخرية التي كان (باندا) قد استخدمها، ولا يزال يستعين بالرقص التقليدي في المناسبات الرسمية.  ولكن المؤلف يؤكد أن آليات الديمقراطية تحد من فاعلية شعبوية (بينگو)، لأنه لا يتمكن من التصرف في الأموال العامة ووسائل الإعلام لتعزيز صورته، ولا من استخدام وسائل القمع التي كان (باندا) يلجأ إليها ليجبر الناس على الولاء لشخصه.  علاوة على ذلك فبإمكان المواطنين، في ظل النظام الديمقراطي، أن ينتقدوا الرئيس ويسخروا منه، ومن أدوات الشعبوية الثقافية مثل الألقاب الفخرية، مما يقلل من فاعلية هذه الأدوات.  وبشكل عام فإن سنوات الديكتاتورية الطويلة جعلت كثيراً من الناس، وخاصة الصحافيين، يشككون في الشعبوية في حد ذاتها، فيرون أنها ليست إلا قناعاً يخفي الفساد السياسي والاستغلال.