2010/04/08

انتخاب باراك أوباما والتمييز العنصري في أمريكا

يرى بعض المراقبين الأمريكيين أن فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٠٨ يبشر بحلول « عصر ما بعد العنصرية » في الولايات المتحدة.  غير أن (توماس پيتيگرو) يفند هذه الحجة في مقالته Post-Racism? Putting President Obama’s Victory in Perspective، الصادرة في عدد سبتمبر ٢٠٠٩ من مجلة Du Bois Review.

يشير پيتيگرو إلى أن الكثير من الأمريكيين البيض يتوهمون، منذ الستينات من القرن العشرين، أن حركة الحقوق المدنية ألغت أساس التمييز العنصري في أمريكا، ومن ثم يظنون أن الأمريكيين من أصل أفريقي هم المسؤولون عما قد يتبقى من عدم المساواة.  إلا أن آلاف الدراسات العلمية أثبتت أن التمييز العنصري الواعي وغير الواعي لا يزال موجوداً في أذهان الأمريكيين، وأن هذا التمييز يؤثر في السكن والتوظيف والعلاج الطبي وأحكام السلطة القضائية.  يؤكد پيتيگرو أن انتخاب أوباما خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للأمريكيين من أصل أفريقي، ولكن يجب تفسير هذا الحدث على ضوء الظروف السياسية، بما فيها من عنصرية.

يذكر المؤلف أن قانون حقوق التصويت لعام ١٩٦٥ مهّد لزيادة كبيرة، على مدى أربعين عاماً، في عدد السود في المناصب التي تشغل بالانتخاب.  صحيح أن أوباما استفاد من هذا التمهيد، بالإضافة إلى ذكائه وكاريزماه وحسن تنظيم حملته الاتنخابية، ولكن الحظ ساعده أيضاً طوال حياته السياسية.  ومثال ذلك انسحاب اثنين من منافسيه من انتخابات مجلس الشيوخ في عام ٢٠٠٤ بسبب فضائح جنسية، الأمر الذي مكنه من الفوز، مع أنه كان يحتل مركزاً متأخراً في استطلاعات الرأي.  وفي الانتخابات الرئاسية، ارتكب منافساه (هيلاري كلينتون) و(جون ماكين) أخطاء فادحة في حملتيهما الانتخابيتين.  واستفاد الحزب الديمقراطي بشكل عام من تراجع شعبية الرئيس بوش في نهاية ولايته.  ولكن العامل الحاسم قد يكون الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام ٢٠٠٨، خاصة وأن الكثير رأى أن أوباما أكثر قدرة من ماكين على التعامل معها.

لا عجب أن ٩٥ في المائة من الأمريكيين من أصل أفريقي انتخبوا أوباما، ولكن القارئ قد يدهش إذا علم أن عنصريين كثيرين انتخبوه أيضاً.  غير أن في حياة العنصريين هموماً أخرى قد تتغلب على عنصريتهم أحياناً، ويؤكد المؤلف أن هذا ما حدث في حالة الأزمة الاقتصادية.  ولعل مما ساعدهم على التغاضي عن لون بشرة أوباما أنه نادراً ما تحدث عن العرق، وأن لون بشرته فاتح نسبياً، وأن أمه كانت بيضاء، وأنه يختلف تماماً عن الصورة النمطية العنصرية للسود.  فكان من الممكن أن يعتبره العنصريون رجلاً أسود استثنائياً.

ساهم ضعف الحزب الجمهوري في فوز أوباما الانتخابي أيضاً، فإقبال الناخبين الجمهوريين على التصويت، وخاصة اليمينيين المتطرفين منهم، كان منخفضاً، بينما نجح الحزب الديمقراطي في جذب أعداد غير مسبوقة من الناخبين الديمقراطيين، وخاصة بين الشباب والأقليات العرقية، إلى مراكز الاقتراع.  ومما يفند فرضية « عصر ما بعد العنصرية » تصاعد الاعتداءات العنصرية أثناء الحملة الانتخابية، ومحاولات منافسي أوباما للربط بينه وبين صور نمطية عنصرية.  وصوّت كثير من البيض في الولايات الجنوبية (التي يتسم تاريخها بعنصرية شديدة)، وكثير من البيض المسنين، ضد أوباما لأسباب عنصرية.  إلا أن التغير الديموغرافي يقلل تدريجياً من العنصرية في الجنوب، مما سمح لأوباما بفوزه في ثلاث ولايات جنوبية.

يتوقع پيتيگرو أن تُضعِف رئاسة أوباما الصور النمطية العنصرية للسود في أمريكا.  ولكن هذا لن يحل المشاكل الهيكلية التي يعاني منها كثير من الأمريكيين من أصل أفريقي، مثل الفقر وسوء التعليم.  هذه المشاكل نتيجة مائتي عام من العبودية تلتها مائة عام من الفصل العنصري المقنن، وسيتطلب حلها تغييرات هيكلية قد لا يستطيع أوباما أن يقدم عليها في ولايته الأولى، التي تخيم عليها الأزمة الاقتصادية.

هناك 12 تعليقًا:

Wael Nawara يقول...

Obama election campaign and the surrounding hype did have racist and post-racist sentiments which influenced the outcome. This is yet a step in a long path of evolution

Thank you for sharing this perspective

I wish I could read the methodology in more depth

Best

Wael Nawara

بنجامين گير يقول...

Thanks for your visit, Wael. I'd be happy to send you the original article if you send me your email address.

غيداء التواتي يقول...

بن جامين ذُهلت عندما عرفت إنك لست عربيا ،وتكتب بالعربية بطلاقة في حقيقة الأمر لقد قرات هذه التدوينة وأنا على يقين إن صاغها غيرك من بني جلدتي العرب لن يصيغها بهذه السلاسة.
أحب أن ازيد سببا آخر عن الأسباب التي ساهمت في فوز أوباما

إن باراك حسين أوباما من أب مسلم ولكنه يعتنق المسيحية وكأن حال المواطن الأمريكي يؤكد إن دين الإسلام لا يورث للأبناء ،كما إن الترابط الأسري الذي ظهر به أوباما مع أسرته في الإنتخابات ساهم أيضا في انتخابه ،كون المجتمع الأمريكي يعاني من التفكك الأسري ويحب أن يظهر رؤسائه في صورة لائقة عائليا كما إنني ارجح إن عدد السود الذين اقترعوا في الإنتخابات هذه المرة كان كبيرا جدا وساحقا كون المرشح هو ابن جلدتهم ولربما بنو آمالا على الحصول على مميزات في عهده لا اكتمك القول إن أوباما كان ذا كاريزما وخطاب أقوى من منافسيه

دمت بخير

غيداء التواتي مدونة ليبية وناشطة حقوقية وصحفية مستقلة

http://hmoos.maktoobblog.com/

trtr388 يقول...

مرحباً
حقيقة طالعت مقالكم بكثير من الاهتمام .. ربما لانى مهتماً بهذا الشأن
غير انى لا اتفق معك كثيراً ..خاصة ان النظرة الى المجتمع الامريكى كمجتمع عنصرى ليست بالجديدة .. وانما فوز اوباما جاء مخاضاً للعب على وتر العنصريه ومحاولة تبرئة امريكا منها .. ليس حبً فى اوباما او انكار للعنصرية الامريكة

مودتى

بنجامين گير يقول...

شكراً على زيارتك يا طارق، ولكن يبدو أنك لم تفهم هذه التدوينة جيداً. لم أقل إن النظرة الى المجتمع الامريكي كمجتمع عنصري جديدة، بل إني أشرت إلى التاريخ الطويل للنضال ضد التمييز العنصري في أمريكا. ولم أقل إن كل من انتخبوا أوباما فعلوا ذلك إنكاراً للعنصرية، بل إني قلت إن عنصريين كثيرين انتخبوه. أما تفسيرك لفوزه فإذا أمعنتَ النظر في أحداث الحملة الانتخابية فأعتقد أنك ستجد أدلة كثيرة على أنه أثار حباً وأملاً شديدين في قلوب بعض ناخبيه، وأن الأزمة الاقتصادية لعبت دوراً مهماً أيضاً، كما يقول مؤلف المقالة. فلا يمكنك أن تعزو فوزه إلى محاولة لتبرئة أمريكا من العنصرية.

trtr388 يقول...

عزيزى بنجامين
يبدو انك انت الذى لم تفهم ما قصدت فى تعليقى السابق .. ولست انا الذى لم افهم ما ورد فى تدوينتكم
بل على العكس ربما اردت ان اصل بكم الى وجهة نظر خاصة مع احترامى لوجهة نظركم
العنصرية تستخدم كل الادوات المتاحة والغير متاحة للوصول الى غايتها .. سواء العرق او اللون او اللغة اوالمعتقد .. وحتى الاتجاه الفكرى .. وانما انا قصدت عنصرية امريكا فى اشكال وصور متعددة ولم اقصد اللون او العرق تحديدياً
يبدو ان العنصرية "ادة قابلة للتحديث والتطور " حسب ما يملى عليها العصر ومستجداته
... اقولها بطريقة اكثر وضوحاً وربما اكثر سخرية ... ربما اوباما نفسة اتخذ العنصرية كسلاح اساسى فى معركتة الانتخابية .. كلنا كنا نرى ظهور امريكى ملون ..نوعاً من الابهار فى النموذج الامريكى .. والذى احب معظم الامريكيين ان يعيشوا من خلاله هذه التجربة ربما ليظهرو غير عنصريين فكانت النتيجة فوز اوباما

ارجوا ان تكون اتضحت وجهى نظرى

مودتى

بنجامين گير يقول...

عزيزي طارق، إن موضوع هذه المقالة هو العنصرية فيما يتعلق بلون البشرة فقط، وهذا ما تعنيه عادة كلمة racism الإنكليزية في أمريكا. يبدو لي أنك تحاول تفسير نتيجة الانتخابات الأمريكية على أنها رسالة أرسلتها أمريكا إلى العالم، وهذا خطأ. لا يهتم معظم الأمريكيين بالعالم خارج أمريكا، ولا يعرفون عنه شيئاً، فلا يفكرون في صورة أمريكا في الخارج. إنما هم مهتمون بمشاكلهم وبما يحدث في بلدهم، مثل البطالة الناتجة عن الأزمة الاقتصادية. وعلى أي حال فإنه يبدو لي أنك لا تتّبع في تفسيرك إلا الظن، « وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا »، بينما يعتمد تفسير مؤلف المقالة على أبحاث علمية عن أدلة مثل استطلاعات الرأي.

بنجامين گير يقول...

شكراً جزيلاً يا غيداء على زيارتك وتشجيعك الكريم. من المؤكد أن أوباما جذب إلى مراكز الاقتراع عدداً غير مسبوق من الناخبين السود. أما مسألة الدين فمن الجدير بالذكر أن والد باراك أوباما أصبح لا دينياً قبل أن يتعرف على والدة باراك، فإنه كان قد اقتنع بأن الدين ليس إلا خرافة. أعتقد أن الحديث عن نشأة والد أوباما في عائلة مسلمة لم يلعب دوراً كبيراً في الانتخابات، ولكن الدور الذي لعبه كان سلبياً تماماً، فخصوم أوباما ادّعوا أنه مسلم ليشهروا به. أما إظهار الترابط الأسري فهو شيء تقليدي جداً ويكاد يُعتبر إجبارياً في الحملات الانتخابية في أمريكا (سواء كانت محلية أو برلمانية أو رئاسية)، فلم يختلف أوباما عن غيره في هذا الصدد.

بلاد وعباد يقول...

لقد أطلعت على مدونتكم بالصدفة , وأعجبتنى وسأكون من متابعيها.
العنصرية متأصلة في المجتمع الأمريكي(نظرا للظروف التي أدت الى نشوء الدولة الأمريكية) وقد خفت حدتها في الثلاثين سنة الأخيرة, وقد لعبت دورا كبيرا في فوز أوباما.
والعنصرية ليست ميزة لأمريكا وحدها, بل هي موجودة في كل العالم حتى داخل الدول الإفريقية.
تحياتي........

بنجامين گير يقول...

شكراً جزيلاً على زيارتك وتعليقك يا عبد اللطيف.

العلم نور يقول...

في اعتقادي أن مجرد ترشيح أوباما وهيلاري كلينتون للرئاسة هو في حد ذاته نقله كبيرة في الفكر الرأسمالي

Unknown يقول...

Great live to Palestine!!

Catalonia and Palestine, two ocuped countries in both side of the Mediterranean sea.

Salam'allekum!